فصل: تفسير الآية رقم (100):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. أنا من الولدان، وأمي من النساء.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه تلا {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا».
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده. ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير، والعجوز، والجواري الصغار، والغلمان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن يحيى قال: «مكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحًا يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، وكان يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، والعاصي بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا}».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: {الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: كانوا قومًا من المسلمين بمكة، فخرجوا مع قومهم من المشركين في قتال، فقتلوا معهم، فنزلت هذه الآية {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} فعذر الله أهل العذر منهم، وهلك من لا عذر له قال ابن عباس: وكنت أنا وأمي ممن كان له عذر.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لا يستطيعون حيلة} قوة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {لا يستطيعون حيلة} قال: نهوضًا إلى المدينة {ولا يهتدون سبيلًا} طريقًا إلى المدينة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {ولا يهتدون سبيلًا} طريقًا إلى المدينة. والله تعالى أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (100):

قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما رهب من ترك الهجرة، رغب فيها بما يسلي عما قد يوسوس به الشيطان من أنه لو فارق رفاهية الوطن وقع في شدة الغربة، وأنه ربما تجشم المشقة فاخترم قبل بلوغ القصد، فقال تعالى: {ومن يهاجر} أي يوقع الهجرة لكل ما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بهجرته {في سبيل الله} أي الذي لا أعظم من ملكه ولا أوضح من سبيله ولا أوسع {يجد في الأرض} أي في ذات الطول والعرض {مراغمًا} أي مهربًا ومذهبًا ومضطربًا يكون موضعًا للمراغمة، يغضب الأعداء به ويرغم أنوفهم بسبب ما يحصل له من الرفق وحسن الحال، فيخجل مما جروه من سوء معاملتهم له؛ من الرغم وهو الذل والهوان، وأصله: لصوق الأنف بالرغام وهو التراب، تقول: راغمت فلانًا، أي هجرته وهو يكره مفارقتك لذلة تلحقه بذلك.
ولما كان ذلك الموضع وإن كان واحدًا فإنه لكبره ذو أجزاء عديدة، وصف بما يقتضي العدد فقال: {كثيرًا}.
ولما كانت المراغمة لذة الروح، فكانت أعز من لذة البدن فقدمها؛ أتبعها قوله: {وسعة} أي في الرزق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «صوموا تصحوا وسافروا تغنموا» أخرجه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه «واغزوا، وهاجروا تفلحوا».
ولما كان ربما مات المهاجر قبل وصوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فظن أنه لم يدرك الهجرة مع تجشمه لفراق بلده قال: {ومن يخرج من بيته} أي فضلًا عن بلده {مهاجرًا إلى الله} أي رضى الملك الذي له الكمال كله {ورسوله} أي ليكون عنده {ثم يدركه الموت} أي بعد خروجه من بيته ولو قبل الفصول من بلده {فقد وقع أجره} أي في هجرته بحسب الوعد فضلًا، لا بحسب الاستحقاق عدلًا {على الله} أي الذي له تمام الإحاطة فلا ينقصه شيء، وكذا كل من نوى خيرًا ولم يدركه «لا حسد إلا في اثنتين» فهو موفيه إياه توفية ما يلتزمه الكريم منكم.
ولما كان بعضهم ربما قصر به عن البلوغ توانيه في سيره أو عن خروجه من بلده فظن أن هجرته هذه لم تجبُر تقصيره قال: {وكان الله} أي الذي له جميع صفات الكمال {غفورًا} أي لتقصير إن كان {رحيمًا} يكرم بعد المغفرة بأنواع الكرامات. اهـ.

.اللغة:

{مراغما} مذهبا ومتحولا، مشتق من الرغام وهو التراب، ومعناه يراغم قومه في هجرته الى النبي صلى الله عليه وسلم.
{سعة} اتساعا في الرزق.
{تقصروا} القصر: النقص يقال قصر صلاته إذا صلى الرباعية ركعتين.
{تغفلون} الغفلة: السهو الذي يعتري الانسان من قلة التحفظ والتيقظ.
{موقوتا} محدود الاوقات لا يجوز اخراجه عن وقته.
{تهنوا} تضعفوا.
{خصيما} الخصيم ثمعنى المخاصم أي المنازع والمدافع.
{خوانا} مبالغا في الخيانة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ} شرط وجوابه.
{فِي الأرض مُرَاغَمًا} اختلِف في تأويل المراغم؛ فقال مجاهد: المراغَم المتزَحْزَح.
وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم: المراغم المتحول والمذهب.
وقال ابن زيد: والمراغَم المهاجَر؛ وقاله أبو عبيدة.
قال النحاس: فهذه الأقوال متفِقة المعاني.
فالمراغم المذهب والمتحوَّل في حال هجرة، وهو اسم الموضع الذي يُراغَم فيه، وهو مشتق من الرِّغام.
ورَغِم أنف فلان أي لَصِق بالتراب.
وراغمت فلانًا هجرته وعاديته، ولم أُبالِ إن رغِم أنفه.
وقيل: إنما سمي مهاجرًا ومراغمًا لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم، فسمّي خروجه مُراغَمًا، وسمّى مصيره إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم هجرة.
وقال السديّ: المراغم المبتغي للمعيشة.
وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: المراغم الذهاب في الأرض.
وهذا كله تفسير بالمعنى، وكله قريب بعضه من بعض؛ فأما الخاص باللفظة فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا، وهو أن يرغِم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده؛ فكأن كفار قريش أرغموا أُنوف المحبوسين بمكة، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أُنوف قريش لحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة.
ومنه قول النابغة:
كطَوْدٍ يُلاذُ بِأركانِه ** عزِيزِ المُراغَمِ والْمَهْرَبِ

. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرض مُرَاغَمًا كَثِيرًا} ترغيب في المهاجرة وتأنيس لها، والمراد من المراغم المتحول والمهاجر كما روي ذلك عن ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم فهو اسم مكان، وعبر عنه بذلك تأكيدًا للترغيب لما فيه من الأشعار بكون ذلك المتحول الذي يجده يصل فيه المهاجر إلى ما يكون سببًا لرغم أنف قومه الذين هاجرهم، وعن مجاهد: إن المعنى يجد فيها متزحزحًا عما يكره، وقيل: متسعًا مما كان فيه من ضيق المشركين، وقيل: طريقًا يراغم بسلوكه قومه أي يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن ذلك المانع أمران:
الأول: أن يكون له في وطنه نوع راحة ورفاهية، فيقول لو فارقت الوطن وقعت في الشدة والمشقة وضيق العيش، فأجاب الله عنه بقوله: {وَمَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرض مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} يقال: راغمت الرجل إذا فعلت ما يكرهه ذلك الرجل، واشتقاقه من الرغام وهو التراب، فإنهم يقولون: رغم أنفه، يريدون به أنه وصل إليه شيء يكرهه، وذلك لأن الأنف عضو في غاية العزة والتراب في غاية الذلة، فجعلوا قولهم: رغم أنفه كناية عن الذل.
إذا عرفت هذا فنقول: المشهور أن هذه المراغمة إنما حصلت بسبب أنهم فارقوا وخرجوا عن ديارهم.
وعندي فيه وجه آخر، وهو أن يكون المعنى: ومن يهاجر في سبيل الله إلى بلد آخر يجد في أرض ذلك البلد من الخير والنعمة ما يكون سببًا لرغم أنف أعدائه الذين كانوا معه في بلدته الأصلية وذلك لأن من فارق وذهب إلى بلدة أجنبية فإذا استقام أمره في تلك البلدة الأجنبية، ووصل ذلك الخبر إلى أهل بلدته خجلوا من سوء معاملتهم معه، ورغمت أنوفهم بسبب ذلك، وحمل اللفظ على هذا أقرب من حمله على ما قالوه، والله أعلم.
والحاصل كأنه قيل: يا أيها الإنسان إنك كنت إنما تكره الهجرة عن وطنك خوفًا من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر، فلا تخف فإن الله تعالى يعطيك من النعم الجليلة والمراتب العظيمة في مهاجرتك ما يصير سببًا لرغم أنوف أعدائك، ويكون سببًا لسعة عيشك، وإنما قدم في الآية ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش لأن ابتهاج الإنسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم عليه بدولته من حيث إنها تصير سببًا لرغم أنوف الأعداء، أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببًا لسعة العيش عليه.
وأما المانع الثاني من الإقدام على المهاجرة فهو أن الإنسان يقول: إن خرجت عن بلدي في طلب هذا الغرض، فربما وصلت إليه وربما لم أصل إليه، فالأولى أن لا أضيع الرفاهية الحاضرة بسبب طلب شيء ربما أصل إليه، وربما لا أصل إليه، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مهاجرا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} والمعنى ظاهر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}.
في المراغم خمسة تأويلات:
أحدها: أنه المتحوَّل من أرض إلى أرض، وهذا قول ابن عباس والضحاك. ومنه قول نابغة بني جعدة:
كطْودٍ يُلاذ بأركانه ** عزيز المراغم والمطلب

والثاني: مطلب المعيشة، وهو قول السدي، ومنه قول الشاعر:
إلى بلدٍ غير داني المحل ** بَعيد المُراغم والمطلب

والثالث: أن المراغم المهاجر، وهو قول ابن زيد.
والرابع: يعني بالمراغم مندوحة عما يكره.
والخامس: أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين.
وأصل ذلك الرغم وهو الذل. والرّغام: التراب لأنه ذليل، والرُّغام بضم الراء ما يسيل من الأنف. اهـ.